مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة
Page 1 sur 1
مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة
الدكتور محمد راتب النابلسي (اسماء الله الحسني)
مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة
العقيدة الإسلامية : أسماء الله الحسنى : "الوكيل" ـ " 1 " ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم "الوكيل".
أيها الأخوة ، ورد هذا الاسم في قوله تعالى :
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
هذا هو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي ورد فيه الاسم مطلقاً معرفاً بالألف واللام .
لكن ورد في مواضع أخرى مقروناً بمعاني العلو ، والعلو كما تقدم في دروس سابقة يزيد الإطلاق كمالاً على كمال ، كما ورد في قوله تعالى :
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
هنا اقترن الاسم بالعلو ، والعلو يزيد المطلق كمالاً .
وعند البخاري من حديث ابن عباس أنه قال :
(( حسبنا الله ونعم الوكيل )) .
قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا :
﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
والله أيها الأخوة والناس في هذه الأيام قد جمعوا ليقفوا وقفة واحدة ضد المسلمين ، وكأن حرباً عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين .
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى السمع متى يؤمر ؟ قال : فسمع بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل )) .
[ الترمذي عن أبي سعيد الخدري] .
أيها الأخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((بعثت والساعة كهاتين )) .
[ البخاري عن سهل بن سعد] .
فبعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة ، وفي الآثار النبوية أحاديث كثيرة عن أشراط الساعة ، من هذه الأحاديث :
(( موت كقعاص الغنم )) .
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح ] .
(( لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ )) .
[ مسلم عن أبي هريرة] .
ألف الناس أن يستمعوا كل يوم إلى مئات القتلى ، ومئات الجرحى وكأنه خبر عادي .
(( موت كقعاص الغنم )) .
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح ] .
(( لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ )) .
[ مسلم عن أبي هريرة] .
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه .
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً )) .
[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ] .
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأَشدُّ ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً )) .
[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ] .
نحن في زمن تبدلت القيم ، نحن في زمن طمست الفطرة .
شيء آخر :
(( يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم )) .
[أخرجه أبو داود عن ثوبان ] .
الآن كل حر في دولة .
(( يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتِها ، فقال قائل : من قِلَّة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير )) .
[أخرجه أبو داود عن ثوبان ] .
أي مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، ليست كلمتهم هي العليا ، أمرهم ليس بيدهم .
(( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ )) .
قش يطفو على سطح السيل ، هل يؤثر باتجاهه ؟ هل يؤثر في مساره ؟.
(( وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ ، قيل : وما الوْهنُ يا رسول الله ؟ قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيَةُ الموتِ )) .
[أخرجه أبو داود عن ثوبان ] .
كان الواحد بمليون ، بألف ، الآن الألف أو المليون بأف .
مخلصُ الملخص : هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله .
أيها الأخوة ، حينما قال الله عز وجل :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 110 ) .
هذه الخيرية لها علة :
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 110 ) .
لماذا أهلك الله بني إسرائيل ؟ قال :
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ .
( سورة المائدة الآية : 79 ) .
علة الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا علة الخيرية ، إذاً نحن الآن أمة كأية أمة خلقها الله .
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ .
( سورة الكهف ) .
هذه الحقائق مؤلمة ، لكنها ضرورية ، لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
1 ـ الوكيل هو القيم و المشرف :
"الوكيل" في اللغة : هو القيم ، المشرف ، الكفيل ، الذي تكفل بأرزاق العباد ، حقيقة الوكيل أنه يستقل بأمر الموكل إليه ، وكيل كامل .
الآن هناك وكالة عامة ، يمكن للوكيل العلم أن يطلق الزوجة ، وكالة عامة ، توكل بالأمر أي ضمن القيام به ، وكلت أمري إلى فلان ألجأته إليه ، واعتمدت فيه عليه ، وكّل فلان فلاناً أي استكفاه أمره ، إما ثقة بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه ، وكيلك في كذا أي سلمته الأمر ، وتركته له ، وفوضته إليه ، واكتفيت به ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من توكل لي ما بين لحييه وما بين رجليه توكلت له بالجنة )) .
[ أخرجه الحاكم عن سهل بن سعد ] .
حديث دقيق يدل على أن معظم معاصي الناس من كلامهم .
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة] .
و :
(( من توكل لي ما بين رجليه ـ شهوة الجنس ـ وما بين لحييه ـ فكيه ـ توكلت له بالجنة )) .
[ البخاري عن سهل بن سعد الساعدي] . .
من ضبط شهوته :
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ .
( سورة المؤمنون ) .
لكن لا يوجد في الإسلام حرمان :
﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ .
( سورة المؤمنون ) .
إذاً : من ضبط شهوته ومن ضبط لسانه ، توكل الله له بالجنة .
الإمام الغزالي عدّد أكثر من عشرين أو ثلاثين معصية يقوم بها اللسان ، غيبة ، نميمة ، بهتان ، إفك ، سخرية ، فمعاصي اللسان لا تعد ولا تحصى .
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه )) .
[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ] .
مرة ثانية :
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة] .
2 ـ الاعتماد على الغير و الركون إليه :
التوكل يأتي أيضاً بمعنى الاعتماد على الغير ، والركون إليه ، كما في قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ .
( سورة الطلاق الآية : 3 ) .
لكن أيها الأخوة ، لا بدّ من التنويه إلى أن التوكل محله القلب ، أما الأعضاء ينبغي أن تسعى .
(( إِن الله يَلُومُ على العَجْز )) .
[ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ] .
بعض المسلمين انتهينا ، ما بيدنا شيء ، الله يتوكل بهم ، هذا اليأس ، والسوداوية ، والانسحاب من المجتمع ، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن ، الكرة في ملعبنا .
﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾ .
( سورة الأنفال الآية : 19 ) .
والله عز وجل بيده كل شيء .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ .
( سورة هود الآية : 123 ) .
لذلك : ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ، أنت إذا توكلت على الله أنت أقوى الأقوياء ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
هناك شواهد مذهلة في القرآن الكريم ، مثلاً : إنسان فجأة وجد نفسه في بطن حوت ، الأمل صفر ، الحوت وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة طن ، معناها لقمة واحدة ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾ .
فالله عز وجل قلب القصة إلى قانون :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .
( سورة الأنبياء ) .
في أي زمان ، في أي مكان ، في أي ظرف ، طاغية كبير " فرعون "، قوي جداً ، معه أسلحة فتاكة ، حاقد ، متغطرس ، وراء شرذمة قليلة على رأسهم سيدنا موسى ، هو خلفهم ، والبحر أمامهم ، هل هناك أمل ؟ الأمل صفر .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
( سورة الشعراء ) .
أخواننا الكرام ، اليأس يعني كفر بالله .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
لكن بشرط ألا يهون أمر الله علينا ، من هان أمر الله عليه هان على الله .
3 ـ الكفيل :
أيها الأخوة ، ربما تفسر كلمة "الوكيل" بالكفيل ، هذا معنى إضافي ، لكن "الوكيل" أعم من الكفيل ، فكل وكيل كفيل ، لكن ما كل كفيل بوكيل .
و قد ورد عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً )) .
[ الترمذي عن عمر بن الخطاب] .
التوكل الحقيقي صدقوا أيها الأخوة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، أنت مسافر سفراً طويلاً بمركبتك ، ما هو التوكل ؟ أن تراجع هذه المركبة جزءاً جزءاً ، المحرك ، الزيت ، المكابح ، أن تراجع كل شيء ، وأن تكون جاهزة في أعلى جاهزية ، وبعد ذلك من أعماق أعماق قلبك : يا رب أنت المسلم ، وأنت الحافظ ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه بطولة ، من السهل أن تأخذ بالأسباب وتعتمد عليها وتنسى الله ، أو أن تؤله الأسباب كما يفعل الغرب ، ومن السهل أيضاً ألا تأخذ بها ، تواكل ، يا رب لا يوجد غيرك .
المسلمون الآن لضعف فهمهم العميق لحقيقة الدين ينتظرون معجزة من الله تقضي على أعدائهم ، أعداؤهم يزدادون قوة ، هذه سذاجة ، أفق ضيق ، الله قال :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ .
( سورة الأنفال الآية : 60 ) .
بعد أن تعد لهم ما تستطيع قل : يا رب أنت الناصر ، أنت الموفق ، أنت الحافظ ، أنت المؤيد ، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا درس يحتاجه المسلمون .
سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام كان من الممكن كما نقله الله نقلة إعجازية من مكة إلى بيت المقدس على البراق ، أن ينتقل إلى المدينة ، لكن أعطانا درساً لا ينسى ، هيأ من يأتيه بالأخبار ، هيأ من يمحو الآثار ، هيأ من يأتيه بالزاد ، مشى مساحلاً ، قبع في غار ثور أياماً ثلاثة ، هيأ راحلة ، هيأ خبيراً ، غلب عليه الخبرة لا الولاء ، كان الخبير مشركاً ، أخذ بالأسباب كلية ، فلما وصلوا إليه توكل على الله ، قال :
(( يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) .
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ] .
هذا درس لنا جميعاً .
تاجر تعمل دراسة صحيحة ميدانية ، مستوى البضاعة ، أسعارها ، المنافسون ، بعد أن تجري دراسة تامة ، وعقدت صفقة ، يا رب أنت الجبار ، أنت الجبار بعد الدراسة المستفيضة .
طالب ، يدرس ليلاً نهاراً ، أنت الموفق يا رب ، يجب أن تأخذ بالأسباب ، لأن الفرق بيننا وبين أعدائنا أنهم يأخذون بالأسباب .
4 ـ الوكيل من توكل بالعالمين خلقاً و تدبيراً و هداية و تقديراً :
أيها الأخوة ، الآن إذا قلنا الله هو "الوكيل" ، أي هو الذي توكل بالعالمين خلقاً ، وتدبيراً ، وهداية ، وتقديراً ، هو المتوكل بخلقه إيجاداً وإمداداً ، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
أخواننا الكرام ، الله عز وجل :
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ .
( سورة هود ) .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ .
( سورة الزخرف الآية : 84 ) .
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ .
( سورة الكهف ) .
هذه المعاني مسعدة ، علاقتنا مع جهة واحدة .
(( من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله سائر همومه )) .
[ ابن عساكر عن ابن مسعود ] .
اعمل لوجه واحد يكفك الهموم كلها ، والله أيها الأخوة مشاعر الموحد مشاعر رائعة ، علاقته مع جهة واحدة ، هذه الجهة تعلم ما يعمل .
حدثني أخ كان بالحج أنه عمل هدياً وأخذ إيصالاً ، قال لي : أنا أول مرة الإيصال أتلفه لأن هذا لله عز وجل ، الله يعلم هو لا يريد إيصالاً .
علاقتك مع الله لا تحتاج إلى بيان ، ولا تحتاج إلى قسم ، الله يعلم ، حتى إن بعضهم قال : الحمد لله على وجود الله ، الله موجود ، ويعلم .
إذاً : ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
قال تعالى :
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
( سورة الزمر ) .
وقال هود عليه السلام متحدياً : افعلوا ما شئتم .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ .
( سورة هود ) .
عندما تأتي على مع لفظ الجلالة تأتي بمعنى الإلزام الذاتي ، أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بأن يكون مع خلقه مستقيماً ، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ .
"الوكيل" الكفيل بأرزاق العباد ومصالحهم ، وهو سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ .
( سورة الحج الآية : 38 ) .
أحياناً الإنسان يوكل محامياً ، كلما كان المحامي أكثر خبرة ، أو أقرب صلة مع القضاة ، أو أكثر هيمنة في قصر العدل ، يرتاح الموكل ، يقول لك : المحامي فلان ، الراحة تأتي من قوة المحامي ، فإذا كان خالق السماوات والأرض وكيلاً لك ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ .
إذاً : هو سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين لأنهم اعتقدوا في حوله وقوته ، تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أي لا حول عن معصية الله إلا بالله ، ولا قوة على طاعته إلا به .
المؤمنون لماذا توكلوا عليه ؟ لأنهم خرجوا من حولهم وقوتهم ، وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، فالله عز وجل إذا تولاك من يستطيع في الأرض أن ينال منك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ .
وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، وبالرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ .
( سورة الأنفال ) .
عليك ألا تتوكل توكلاً ساذجاً ، هناك توكل ساذج ، هناك توكل اسمه تواكل ، هناك توكل الكسالى ، وهناك توكل الجهلاء ، أنا أرفض هذا التوكل ، سيدنا عمر سأل جماعة من الناس قال لهم : من أنتم ؟ قال : نحن المتوكلون ، قال لهم : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله ، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ .
وقال الله عز وجل في وصف المؤمنين : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
والله أيها الأخوة ، أنا أشعر أحياناً أن هذا الاسم ، أو هذا التوكل الذي ينبغي أن يكون للمؤمنين ضعيف جداً ، دائماً خائف من الآخر ، خائف من قوي .
تصور ابناً صغيراً ، أو ابناً غير صغير التحق بقطعة عسكرية ، من والده ؟ قائد الجيش ، جاء عريف هدده فبكى ، هذا أبوه أقوى من أكبر رتبة بالجيش ، فعندما يبكي طفل أو شاب خوفاً من شخص هدده ، ووالده بيده كل شيء يكون من أحمق الناس .
﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
الله عز وجل خاطب النبي الكريم فقال :
﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ .
( سورة الأحزاب ) .
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾ .
( سورة المزمل ) .
لكن لا بدّ من التنويه ، الإنسان إذا كان يعصي الله فمعصيته حجاب بينه وبين الله ، العاصي يخجل أن يتوكل على الله ، المتوكل هو المستقيم ، أنت حينما تستقيم على أمر لله تستطيع أن تتوكل على الله .
أحد العلماء ـ ابن القيم رحمه الله تعالى ـ يقول : توكيل العبد لربه يكون بتفويض نفسه إليه ، وعزلها عن التصرف إلا بإذنه ، يتولى الشؤون عن أهله ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية .
أيها الأخوة ، ذاق طعم التوكل من توكل على الله ، يصبح عنده أمن ، عنده راحة ، عنده شعور أن الله لن يتخلى عنه ، نحن نفتقد لحياة نفسية عالية ، الإنسان قد يكون قوياً وغنياً لكن عنده خوف وقلق مستمر ، أما إذا كنت مع الله كان الله معك ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 51 ) .
والله عز وجل قال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ .
( سورة فصلت ) .
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 21 ) .
فهل من المعقول أن يستوي عند الله المستقيم والمنحرف ؟ الصادق والكاذب ؟ المخلص والخائن ؟ المحسن والمسيء ؟ مستحيل !
أنا أقول كلمة : إذا استوى المحسن والمسيء هذا الاستواء لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل يتناقض مع وجوده ، اطمئن أية جهة قوية أرادت أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب ، أن تبني حريتها على ضغط الشعوب ، أن تبني عزها على إذلال الشعوب ، والله الذي لا إله إلا هو أن تنجح خططها على المدى البعيد هذا يتناقض مع وجود الله .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
و الحمد لله رب العالمين
Page 1 sur 1
Permission de ce forum:
Vous ne pouvez pas répondre aux sujets dans ce forum